دائماً ما تجذبنا التفاهات وتشدنا بعيداً عن صلب القضية الرئيسية، فما يدور حول مسلسل «زهرة وأزواجها الخمسة» من مظاهرات وانتقادات ينتمى إلى هذا النوع من التفاهات، فالمظاهرات ضد صورة الممرضة، التى عرضت فيه هى رد فعل ضخم ومبالغ فيه تجاه مسلسل تافه وكأننا نريد أن نضرب فأراً بمنصة صواريخ، أما الهوجة حول ملابس غادة عبدالرازق فتذكرنى بما حكاه مؤلف قاموس إنجليزى حين مدحته بعض السيدات الأرستقراطيات بقولهن إن قاموسه يخلو من الألفاظ الجنسية الخادشة للحياء، فرد عليهن مؤلف القاموس قائلاً: إذن أول ما نقبتن وبحثتن عنه فى القاموس كان ألفاظ الجنس!!،

ازدواجية غريبة من مُشاهِد متربص يعانى من كبت ويعيش وسط مجتمع يخاصم الجمال، الرشاقة أصبحت عملة نادرة فيه، والأنوثة ابتلعتها الكآبة، مُشاهِد ينتظر المسلسل فى السر ليراقب نسبة تقصير الفستان، ثم يخرج فى العلن، ممسكاً بسبحته، مستنكراً هذه الفواحش!!، والسؤال: لماذا كنا نعشق أفلام سعاد حسنى دون السؤال عن طول فستانها، واليوم كل همنا واهتمامنا هو فساتين غادة عبدالرازق؟!، بالطبع، الإجابة الأولى هى أن المجتمع غير المجتمع والزمن غير الزمن، أما الإجابة الثانية الأهم فهى أن سعاد حسنى كانت تقدم دراما وفناً بجد، أما ما قدمته غادة عبدالرازق فى مسلسل «زهرة» فهو فعل درامى فاضح على التليفزيون العام.

قرر الكاتب مصطفى محرم أن يجمع بضاعة الأفلام الهندية، التى استغنى عنها الهنود أنفسهم منذ عشرات السنوات ويعرضها فى سوق الدراما المصرية. لملم محرم كل المضروب فى سوق الدراما وقدم لنا مسلسلاً لابد أن نبلغ عنه جهاز حماية المستهلك، مسلسلاً به نفس وروح ومذاق كتابات مصطفى محرم الخالدة لنادية الجندى بداية من «أنا زى الفريك ماحبش شريك» إلى «سلم لى ع البتنجان»!، وبمناسبة الباذنجان، فهذا المسلسل مثل ساندوتش الحواوشى، الذى تقدمه مطاعم العشوائيات، ساندوتش فيه كل شىء إلا اللحمة، فيه غطيان كازوزة ممكن، كعب كوتشى قديم ممكن، عازل طبى ممزق ممكن!!، أما البروتين الحيوانى فهو آخر ما يهتم به صناع الحواوشى العشوائى، وكذلك الدراما آخر ما يهتم به صناع الدراما العشوائية.

المشاهد فى مسلسل «زهرة» يتم التعامل معه على أنه متخلف أو مصاب بالعته، فالأخ ماجد تحترق به الطائرة ثم يعود إلى الحياة بلا خدش واحد، يعود فاقد الذاكرة يحتاج إلى مجرد خبطة على نافوخه بمنطق أفلام الثلاثينيات لكى تعود إليه الذاكرة، الحاج فرج وأعوانه يلفون تركيا وسوريا وموزمبيق «كعب داير» ليحاربوا المسكينة زهرة فى رزقها ويقدموا رشوة لتجار الأناضول ويمنعوها من استيراد البضاعة، هى إيه البضاعة ماتسألش.. كل حواوشى وانت ساكت!!، صديقة زهرة اللى كان عينها من ماجد قبل زواج زهرة من ماجد اللى اتجوزت الحاج فرج علشان بتحب ماجد لأن الكابتن ماجد أخو زوجة الحاج فرج!!، ممكن تفوتوا هذا الجزء العبثى وتاخدوا قطمة من الحواوشى لتشاهدوا صديقة زهرة وهى فى حالة حب مع ماجد، الذى بعدما فقد الذاكرة صار اسمه سمير!!،

حالة حب كوميدية تحكيها لفوزى المحامى الذى يلعب ملاكمة فى البيت مع ساند باج عليها صور أزواج زهرة من شدة ولوعة حبه للبيونيك وومن!، بعد كل هذا الهراء، لا تندهش فأنا أشاهده على أنه مسلسل كوميدى أضحك على تناقضاته العبثية العباسية فى وقت ندرت فيه الكوميديا على الشاشة.

الفضيحة الحقيقية ليست فى فساتين غادة، بل فى دراما محرم.